أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الأسبقيات التنافسية دراسة حالة شركة سامسونج


الأسبقيات التنافسية لشركة سامسونج ، يعتقد العديد من الناس أن سامسونج هي شركة واحدة تنتج كل هذه المنتجات التي نرى شعار سامسونج عليها اليوم، لكن هذا غير صحيح، حيث أن مجموعة سامسونج فيها عدد كبير من الشركات الفرعية، واحدة منها هي شركة سامسونج للإلكترونيات وهي محور البحث.
بدأت مجموعة سامسونج أعمالها عام 1938، وبعد ثلاثين سنة تقريباً تأسست شركة سامسونج للإلكترونيات، وكانت تنتج أساساً أجهزة التلفاز بالأبيض والأسود الرخيصة، وفي السبعينيات استحوذت على قطاع أنصاف النواقل وأشباه الموصلات وهو الذي حدد مستقبل الشركة.
تعد شركة سامسونج للإلكترونيات من أكبر الشركات التقنية في العالم من حيث العوائد، وتتواجد فروعها ومصانعها وأعمالها في 61 دولة حول العالم وتوظف حوالي 300 ألف شخص، كما وتعد أكبر مصنع للهواتف المحمولة وثاني أكبر مصنع لأنصاف النواقل وأشباه الموصلات والشرائح، ومنذ 2006 كانت أكبر مصنع لأجهزة التلفاز وشاشات LCD. تعمل مجموعة سامسونج في عدد كبير من القطاعات منها الصناعات الثقيلة وصناعة السفن وحتى بناء ناطحات السحاب مثل برج خليفة في دبي.
النجاح خلف نمو سامسونج للإلكترونيات
اتبعت سامسونج استراتيجية مختلفة في عملها مقارنة بالمنافسين الآخرين في كوريا الجنوبية. ففي المراحل الأولى أدركت أهمية البحث والتطوير في الشركة وأرادت أن يتعرف إليها العالم كعلامة تجارية عالمية.
وفي الثمانينيات ركزت الشركة على تصنيع منتجات عالية الجودة، في حين كان معظم المنافسين يركزون على الإنتاج بالحجم الكبير لتلبية الطلب المتزايد بغض النظر عن جودة تلك المنتجات. كانت سامسونج تعيد استثمار أرباحها في البحث والتطوير وتحسين سلسلة التوريد لضمان إمداد الأسواق بالمنتجات عالية الجودة وبدون حصول انقطاعات.
في عام 1993 أطلق رئيس مجلس إدارة سامسونج Kun Hee Lee ما سماه مبادرة الإدارة الجديدة ” وهي مبادرة تهدف لإيصال سامسونج لقيادة الأعمال على مستوى العالم. وكانت هذه المبادرة هي ما أنقذ سامسونج من الخسائر الكبيرة التي لحقت بالشركات الآسيوية في الأزمة المالية التي ضربت المنطقة في 1997 وسميت حينها بأزمة النمور الآسيوية.
غيرت هذه المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس الإدارة من مسار شركة سامسونج ونقلها من شركة عادية في قطاع المنتجات الإلكترونية الإستهلاكية لتصبح شركة عالمية قيادية للقطاع، وخططت سامسونج لأن تلتزم على المدى البعيد بالإستثمار في الإبتكار وعلامتها التجارية والمنتجات المميزة، في حين كان المنافسين الكوريين يركزون أكثر على الأهداف قصيرة المدى مثل تعظيم أرباح المنتجات.

مبادرة الإدارة الجديدة
1- التركيز على المدى البعيد
غيرت شركة سامسونج من تفكيرها ونظرتها من أن تكون شركة تهدف لتحقيق الأهداف قصيرة المدى، إلى أن تكون شركة تركز على الأهداف بعيدة المدى. وفي عام 1993 غيرت سامسونج من شعارها وأصبح اسم الشركة مكتوباً باللغة الإنكليزية من أجل أن تحوز على إهتمام المستهلكين حول العالم. وركزت على أن تصنع منتجات عالية الجودة وتستثمر مواردها في البحث والتطوير المتواصل للوصول إلى منتجات بمزايا جديدة دوماً وجودة عالية دوماً.
وفي إحدى القصص التي تروى عن موضوع الجودة أنه بعدما أهدى مدير سامسونج رئيس كوريا الجنوبية جهاز خليوي وظهرت فيه بعض عيوب التصنيع البسيطة للغاية، كانت ردة فعل المدير أنه أحرق كامل الدفعة المنتجة والتي كان عددها 25 ألف جهاز أمام أعين العاملين، وهذا الموقف كان له أثر نفسي كبير لديهم وتأكيد لإلتزام الشركة على أعلى جودة ممكنة وفق المعايير التي تحددها.
2- الإلتزام بالتصنيع
تؤكد شركة سامسونج على أن مجال التصنيع في الشركة هو واحد من النقاط الجوهرية في نموذج عملها، وركز Yun Jong
Yong نائب رئيس الشركة عام 1997 على التصنيع الداخلي في سامسونج بدلاً من تعهيد عمليات التصنيع إلى موردين خارجيين. وكان تركيز سامسونج الأساسي في نهاية التسعينيات هو تطوير الشرائح والموصلات داخل الشركة. وبين عامي 1998 و2003 استثمرت سامسونج 19 مليار دولار في بناء مصانع جديدة للمعالجات والشرائح، وهذا ما يؤكد توجه الشركة للمنافسة من خلال تصنيع منتجاتها بنفسها بدءاً من معالجات الأجهزة والموصلات.
3- المرونة
تتوزع مصانع سامسونج ليس في كوريا الجنوبية فحسب، بل لديها مصانع في الصين والهند للإستفادة من العمالة الرخيصة هناك ولقرب هذه الدول من مقرها الرئيسي وتوفر إمكانيات النقل والشحن الدولي. هذه المرونة الكبيرة في التصنيع التي تتمتع بها سامسونج، تسمح لها بأن تصنع منتجات غير نمطية ومعدلة وفق الطلب، لذا فإن أكثر من نصف مبيعاتها من شرائح الذاكرة العشوائية تكون بطلبات خاصة من شركات كبرى مثل ديل، مايكروسوفت ونوكيا، وبالرغم من أن أسعار منتجات سامسونج لهذه الشركات أعلى من المتوسط المتاح في السوق، لكن تستطيع سامسونج أن توفر الطلبيات في وقتها وكميتها المناسبة وبالتعديلات المطلوبة تماماً، وهذا ما لا تستطيع شركة اخرى أن تقدمه.
4- التركيز على العتاد
قررت سامسونج أن تبتعد بنفسها عن تطوير البرمجيات والنظم والمحتوى حتى لا تقع في دوامة القرصنة وحقوق الملكية الفكرية وغيرها. لذا توجهت كلياً في تركيزها على صناعة العتاد. فهي اليوم تستطيع تطوير منتجات جديدة وتقنيات جديدة بكفاءة أعلى وبدون الاعتماد على موردين خارجيين.
ولأن عصب التحكم في صناعة الأجهزة الإلكترونية لاسيما الهواتف الذكية والحواسب الشخصية وأجهزة التلفاز والحواسب اللوحية هو معالجات هذه الأجهزة، نجد أن سامسونج لا تدخر جهداً في تطوير صناعة معالجاتها لتقديم منتجات أفضل من عدد كبير من المنافسين وأحياناً أفضل من الشركات المتخصصة في المعالجات فقط. وهذا ما دفع شركة آبل للإعتماد على سامسونج لصنع معالجات هاتفها الآيفون طوال السنوات الماضية.
4- منتجات عديدة ومتنوعة
من الواضح أن شركة بحجم سامسونج لا تعتمد على قطاع واحد للمنتجات عملاً بمبدأ لا تضع البيض في سلة واحدة، فهي اليوم تصنع أجهزة التلفاز والهواتف الذكية وشرائح الذاكرة العشوائية والفلاشية ومشغلات MP3 ومشغلات DVDإلخ هذا فقط على صعيد المنتجات الإلكترونية.
ولا تكتفي سامسونج بصناعة منتجات مختلفة لتلبية قطاعات مختلفة، بل تكون الرائدة فيها أيضاً. فهي اليوم تعد الأفضل في قطاع المعالجات والذواكر DRAM المستخدمة بالحواسب وNAND المستخدمة في الكاميرات والتي تخزن 3 مرات أكثر من ذواكر التخزين NOR التي تصنعها إنتل وتقدمها بسعر مقارب لها.


5- الابتكار في المنتجات الرقمية
إن سر الابتكار في سامسونج والذي يعود إلى منهجية تدعى TRIZ والتي تقوم على حل المشكلات الإدارية في الشركة بطريقة إبداعية. TRIZ وهي الحروف الأولى من المصطلح الروسي (Teoria Resheniya Izobretatelskikh Zadatch) أي نظرية الحل الابتكاري للمشكلات، وتعد هذه النظرية نموذج جديد ومتكامل للتطوير الابتكاري، وما يميزها عن غيرها أنها تستخدم طرق غير تقليدية لحل المشكلات من خلال تحفيز التفكير الإبداعي. وتعتقد هذه النظرية أن هناك 40 طريقة على الأكثر تستطيع بها حل معظم المشاكل التي تواجهك في حياتك وبطرق إبداعية.
وتعتبر TRIZ منهجية تعتمد على النظم في حل المشاكل، وتقوم بالطلب من الشركات بالبحث في التناقضات الحالية بين الظروف التقنية المختلفة واحتياجات الزبائن ومحاولة تخيل الوضع المثالي الذي يجب أن تمضي الشركة بابتكارها نحوه. وتعد اليوم منهجية TRIZ مهارة إجبارية يجب أن يتحلى بها أي باحث وخبير في سامسونج إن أراد التطور في الشركة.
يشرح منطق الابتكار في الشركة، فهي لا تعتمد على التسابق بين مختلف فرق العمل كما هو الحال في آبل، كما لا تعتمد أيضاً على منح المهندسين المزيد من الوقت ليعملوا على تطوير الابتكار في الشركة كما هو الحال في جوجل. لكن يقوم مبدأ الابتكار في سامسونج على تطوير خبراء نخبة مبدعين، ويشرح المخطط الفكرة، كما يشرح كيف استخدمت سامسونج منهجية TRIZ لتصل إلى شاشات Super AMOLED المستخدمة في أجهزة الهواتف الذكية وغيرها اليوم.


ومن المثير للاهتمام أن مدراء سامسونج قبل تطبيق TRIZ كانوا يفكرون في شركتهم على أنها يجب أن تلحق بسرعة المنافسين الآخرين بدلاً من التفكير بالشركة كابتكار يقود السوق. حيث سادت روح الأزمة بين المدراء بشكل دائم، فإذا لم تكن سامسونج بالسرعة الكافية للحاق بالمنافسين، فإنها لا يمكنها النجاة بهذا الوضع، هذا ما كان يدور في بال المدراء.
لكن جاءت المنهجية الجديدة لاحقاً لتجعلهم يفكرون في سامسونج كشركة قائدة لقطاعها وصناعاتها من خلال تطوير منتجات ابتكارية. وأصبح المدراء يخبرون العاملين أن عليهم أن يكونوا قادة مبتكرين بدلاً من التبعية واللحاق بسرعة بالمنافسين. وأصبحت منهجية TRIZ جزء أساسي من تدفق العمل في سامسونج.


ويتدرب كل المدراء في سامسونج حتى الفرعيين منهم على تطبيق المنهجية، حيث يقضون 15 يوم تدريب بالإضافة إلى أسبوع تدريب عملي على مشروع محدد، وهذا ما يوضح استثمار سامسونج الوقت والمجال على هذه المنهجية لثقتها بأنها مصدر ابتكار الشركة.
وتستثمر سامسونج بشكل كبير في رأس المال الفكري أي الموظفين والمهندسين والخبراء، لذا فهي تبحث عن المبدعين أينما كان في العالم. وتوجه سامسونج ابتكاراتها نحو منافسين محددين وبراءات اختراع تود الحصول عليها أو على شبيه بها، كما تخلق بيئة عمل وثقافة في الشركة تستند على الابتكار من خلال التدريب المكثف وتطبيق منهجية TRIZ وتشكيل النخب المبدعة من فرق العمل مدعومة من أعلى المستويات الإدارية.
ونتيجة لهذا المنهج الابتكاري بدأت سامسونج بإطلاق منتجات تفتح أسواق جديدة، مثل أول جهاز تلفاز بشاشة LCD وبحجم 57 بوصة الذي قدمته عام 2003 وكان الأول من نوعه والذي حدد معايير جديدة للصناعة القادمة لأجهزة التلفاز حيث لم يعد يقبل المستخدمين بجودة أقل مما تقدمه سامسونج، وهنا عانت شركات التلفاز الأخرى مثل إل جي وباناسونيك وسوني حيث توجب عليها أن تخطو بإبتكاراتها أبعد من سامسونج.
ولم تكتفي سامسونج برسم معايير الصناعة الجديدة، بل كانت تقدم منتجات جديدة للأسواق أسرع بمرتين من باقي المنافسين. وتهدف سامسونج من هذا المعدل المرتفع من إطلاق المنتجات الجديدة للأسواق أن تخفض أسعار منتجاتها القديمة بالتالي تضغط على المنافسين ومنتجاتهم بقوة السعر ما يجعلها تحصد حصة سوقية أكبر.
ووفق هذه الاستراتيجية التنافسية تجد الشركات الأخرى نفسها تفقد تركيزها من تطوير منتجاتها إلى اللحاق بسامسونج والرد على منتجاتها بالتالي تخسر موقعها في السوق تدريجياً. وتملك شركة سامسونج أدنى مستوى من البيروقراطية والروتين بالرغم من حجمها الضخم الممتد على مستوى العالم، فالشركة تفعل التكنولوجيا وتطوعها لتسريع عملية إتخاذ القرارات على مختلف المستويات الإدارية.

رأي الباحث
تقوم سامسونج بالتخطيط للاستثمار على المدى البعيد في الابتكار والمنتجات المميزة وذلك من خلال إعادة استثمار سامسونج لمواردها وأرباحها في البحث والتطوير المتواصل والتركيز على الأسبقيات التنافسية منها الجودة وذلك من خلال تقديم منتجات عالية الجودة، كما أن سامسونج لا تكتفي بصناعة منتجات مختلفة لتلبية قطاعات مختلفة بل تكون الرائدة فيها وذلك من خلال ابتكار منتجات جديدة قبل المنافسين، وهذا ما أوصل سامسونج إلى ماهي عليه اليوم. كما أن تغيير سامسونج لشعارها من اللغة الكورية إلى اللغة الإنجليزية جعلها تحوز على اهتمام العالم.

إن تركيز سامسونج على التكامل الرأسي الأمامي وذلك من خلال تصنيع المواد الأساسية بدلاً من شراءها من منتجين أخرين يؤكد توجه شركة سامسونج للمنافسة من خلال تصنيع منتجاتها بنفسها وهذا يوفر للشركة الكثير من المزايا أهمها: خفض التكاليف، وتأمين القطع اللازمة بالعدد وبالوقت المناسب مقارنة بغيرها من المنافسين الذين يطلبون هذه المواد من موردين خارجيين، فضلاً عن أنها لا تضع نفسها تحت رحمة السوق والموردين وبالتالي يتم التحكم فيها.

نتيجة لتطبيق سامسونج منهجية TRIZ الابتكاري بدأت سامسونج بإطلاق منتجات ابتكارية تفتح أسواق جديدة، مما جعلها تحدد معايير الصناعات القادمة، حيث أن المنتجات التي تبتكرها سامسونج لم يعد قبل المستخدمين بجودة أقل مما تقدمه سامسونج.
  



Admin
Admin
تعليقات