أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

إدارة السيولة في المصارف الإسلامية الدكتور علي أحمد السالوس

إدارة السيولة في المصارف الإسلامية الدكتور علي أحمد السالوس

إدارة السيولة في المصارف الإسلامية للأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وعضو المجمعين الدوليين، الدور العشرون للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة في مكة المركمة في الفترة من 19 - 23 محرم 1432هـ يوافقه 25 / 29 ديسمبر 2010م

مقدمة إدارة السيولة في المصارف الإسلامية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه، ونسأله عز وجل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل، ونصلي ونسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن موضوع السيولة لا يمثل مشكلة بالنسبة للبنوك الربوية، وذلك في حالتي الفائض والنقص، حيث تستطيع أن تواجه كلًا من الحالتين بالوسائل الربوية، وهذا ما لا تستطيعه المصارف الإسلامية.

ومن المعلوم أن المصارف الإسلامية تعاني من فائض السيولة مما يؤثر على ما تحققه من أرباح، ولذلك ذكرت تعريف السيولة، وبيان الحاجة إلى إدارة السيولة في المصارف الإسلامية، ومكونات هذه السيولة، وبعد هذا بينت بالتفصيل العقود التي تلجأ إليها المصارف الإسلامية لإدارة السيولة، وما يجوز منها وما لا يجوز.

قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

تعريف السيولة:

عرف مجلس النقد السوري السيولة بقوله:
إنها مدى قدرة المصرف على الإيفاء بالالتزامات، وتمويل الزيادة في جانب الموجودات، دون الاضطرار إلى تسييل موجودات بأسعار غير عادلة، أو اللجوء إلى مصادر أموال ذات تكلفة عالية.
وعرفها أحد الباحثين فقال: «السيولة بشكل عام تعني القدرة على مواجهة الالتزامات قصيرة الأجل في مواعيد استحقاقها».
واحتفاظ المصرف بقدر من ودائع عملائه في صورة نقدية وشبه نقدية يمكن تحويلها إلى نقد دون خسائر تذكر، وقدرة المصرف على مواجهة التزاماته الطارئة دون التعرض لخسارة جسيمة.

ثم قال: ومن هنا فإن مفهوم السيولة يقسم إلى:
مفهوم كمي: ويعبر عنه بكمية الموجودات التي يمكن تحويلها إلى نقد في وقت ما للإيفاء بالالتزامات المستحقة والمترتبة على المصرف دون تأخير.
ومفهوم نقدي: ويعبر عنه بكمية الموجودات القابلة للتحويل السريع إلى نقد، مضافًا إليها الأموال التي يتم الحصول عليها نتيجة تسديد التزامات العملاء، أو من خلال الحصول على ودائع جديدة.

وعرف السيولة باحث آخر تعريفًا استقرائيًا فقال:
ومهما تعددت تعاريف الباحثين للسيولة كما سنرى إلا أنها فيما يمس أعمال البنوك لا تخرج عن قدرة البنك في الاحتفاظ بجزء من موجوداته في أصول قابلة للتحويل إلى نقود عند ازدياد ميل عملائه للسحب من ودائعهم لديه، وهي قدرة البنك على استثمار الأموال المتاحة له لمقابلة طلبات السحب على الودائع دون أدنى تأخير، أو من غير أن يترتب على ذلك ارتباك في أعماله مع تحقيق عائد مجز لهذه الأموال المستثمرة تقوم على التوازن بين الاحتفاظ بالسيولة الكافية والاستثمار الذي يحقق عائدًا مجزيًا للبنك.

من هذه التعاريف (هذه التعاريف موجودة على (الإنترنت) التي لا تختلف في جوهرها، وإنما الاختلاف في بعض العبارات والألفاظ، يتضح أن السيولة في المصارف الإسلامية تحتاج إلى إدارة تختار العقود الشرعية المناسبة لإدارة هذه السيولة سواء أكان ذلك في استثمار فائض السيولة، أم في توفير السيولة المطلوبة.

مكونات السيولة في المصارف الإسلامية:

تتكون السيولة من السيولة النقدية، وشبه النقدية:
أما السيولة النقدية فهي النقود الموجودة في خزائن المصرف، والودائع لدى البنوك الأخرى، ولدى البنك المركزي، والأوراق التجارية التي يستطيع المصرف تحصيلها دون تأجيل، والأسهم، والصكوك الشرعية التي يستطيع المصرف بيعها (وسيأتي الحديث عن الأسهم والصكوك).
وإذا كانت الأوراق التجارية تستغرق وقتًا للتحصيل، والأسهم والصكوك الشرعية تستغرق وقتًا كذلك ليتم البيع، فالسيولة هنا تعتبر شبه نقدية.

عقود إدارة السيولة:

تستخدم المصارف الإسلامية عددًا من العقود لإدارة السيولة، ونتحدث عن هذه العقود التي تلجأ إليها المصارف لاستثمار فائض السيولة، ثم نبين موقف هذه المصارف عند الحاجة إلى توفير السيولة.

الحالة الأولى: وجود فائض في السيولة:

المرابحات الدولية في السلع والمعادن:
تلجأ معظم المصارف الإسلامية إلى الاستثمار في هذه المرابحات الدولية لسهولة البيع والشراء، وليس من التعذر إلغاء الصفقة عند الحاجة إلى السيولة، فهذه المرابحات تفيد في الحالتين معًا: حالة فائض السيولة، وحالة الحاجة إلى السيولة.

ومع ذلك لا يوجد قبول لهذه المرابحات من الناحية الشرعية، حيث إنها أقرب إلى ترتيب أوراق لاستيفاء الشكل، ولا يوجد بيع فعلي وشراء فعلي إلا في حالات نادرة، وسيأتي بيان هذا عند الحديث عن التمويل بالتورق في السلع والمعادن.


البيع بالتقسيط:
في البيع بالتقسيط أجاز المجمع الزيادة على البيع الحال، وانتشر هذا البيع انتشارًا واسعًا، وأصبح من أهم العقود في الاستثمار، وامتص قدرًا كبيرًا من فائض السيولة مما ساعد على زيادة الأرباح.


الإيجار المنتهي بالتمليك:
الإجارة بيع المنافع مع بقاء العين في ملك صاحبها، له غنمها وعليه غرمها، والأجرة عادة تكون أجرة المثل أو ما يقرب من أجرة المثل ما دام العقد صحيحًا وليس ساترًا للبيع. وقد انتشر في عصرنا هذا العقد، ومنه ما هو جائز ومنه غير الجائز، وقد بحثه مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأصدر قرارًا مفصلًا نثبته هنا، ثم نعقب عليه.

نص القرار:
الإيجار المنتهي بالتمليك:
أولًا: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:
( أ ) ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.

(ب) ضابط الجواز:
1- وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زمانًا بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة. والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
2- أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.

( ج ) أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.

( د ) إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيًا إسلاميًا لا تجاريًا ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.

(هـ) يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تمليك العين.

( و ) تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.

ثانيًا: من صور العقد الممنوعة:
( أ ) عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعًا تلقائيًا.
(ب) إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.
( ج ) عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلًا إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار).
وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

ثالثًا: من صور العقد الجائزة:
( أ ) عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقًا على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة.
(ب) عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المؤجرة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
( ج ) عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.
( د ) عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء، على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق، أو حسب الاتفاق في وقته.

التعقيب:
يلاحظ أن الإيجار المنتهي بالتمليك تظل العين ملكًا لصاحبها مدة العقد، وثمن العين يأخذ قدرًا من السيولة، وكلما ازدادت الأعيان المشتراة لهذا النوع من التأجير كلما قل فائض السيولة مع تحقق الأرباح، وهذا يساعد القائمين على إدارة السيولة.


الاستصناع:
بحث مجمع المنظمة عقد الاستصناع، ورأى أن العقد له دور كبير في تنشيط الصناعة، وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي، ولذلك قرر:
1- إن عقد الاستصناع - وهو عقد وارد على العمل والعين في الذمة- ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط.
2- يشترط في عقد الاستصناع ما يلي:
( أ ) بيان جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة.
(ب) أن يحدد فيه الأجل.
3- يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة.
4- يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. والله أعلم.
انتهى القرار، وفي الواقع العملي له أثر كبير في التمويل الإسلامي، ويساعد كثيرًا القائمين على إدارة السيولة.

المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
وضع المجمع الضوابط الشرعية لهذا النوع من الشركات، مع بيان ما يتصل بها، وأثبت هنا قرار المجمع، ثم أعقب ببيان ما يتصل بإدارة السيولة.
قرار المجمع:
1- المشاركة المتناقصة: معاملة جديدة تتضمن شركة بين طرفين في مشروع ذي دخل يتعهد فيها أحدهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجًا سواء كان الشراء من حصة الطرف المشتري في الدخل أم من موارد أخرى.
2- أساس قيام المشاركة المتناقصة: هو العقد الذي يبرمه الطرفان ويسهم فيه كل منهما بحصة في رأس مال الشركة، سواء أكان إسهامه بالنقود أم بالأعيان بعد أن يتم تقويمها، مع بيان كيفية توزيع الربح، على أن يتحمل كل منهما الخسارة - إن وجدت- بقدر حصته في الشركة.
3- تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعد ملزم من أحد الطرفين فقط، بأن يتملك حصة الطرف الآخر، على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزء من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول.
4- يجوز لأحد أطراف المشاركة استئجار حصة شريكه بأجرة معلومة ولمدة محددة، ويظل كل من الشريكين مسئولًا عن الصيانة الأساسية بمقدار حصته.
5- المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية:
( أ ) عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع.
(ب) عدم اشتراط تحمل أحد الطرفين مصروفات التأمين أو الصيانة وسائر المصروفات، بل تحمل على وعاء المشاركة بقدر الحصص.
( ج ) تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسب شائعة، ولا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع من الأرباح أو نسبة من مبلغ المساهمة.
( د ) الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة.
(هـ) منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل). والله أعلم.

التعقيب:
نصيب المصرف في المشاركة سيأخذ مبلغًا كبيرًا تبعًا لقيمة العين المشتراة، وبذلك يستهلك قدرًا من السيولة، ثم يسترد المصرف ما دفعه مع الأرباح خلال المدة المتفق عليها، ليدخل في مشروعات جديدة تبعًا لما يراه من يديرون السيولة من أوجه الاستثمار المتاحة.
وهكذا تستمر دورة المال في مثل هذا المشروع وغيره من المشروعات.

المضاربة:
المصرف يستثمر أموال المودعين تبعًا لشركة المضاربة، فيكون هو عامل المضاربة، غير أنه يستثمر جزءًا من هذه الأموال باعتباره صاحب رأس المال، وشريكه عامل المضاربة، أي أن الشريك هو الذي يقوم باستثمار أموال المصرف في المشروعات التي يقرها المصرف، ومنها تمويل رأس المال العامل، وتمويل بعض المقاولات، وغير ذلك.

ويبدأ تناقص السيولة بدفع الأموال للمضاربين، وتأتي الأرباح لتضاف إلى السيولة إلى أن تنقضي المضاربة، وهكذا تستمر دورة المال تبعًا لما يراه من يتولى إدارة السيولة، ولما يتاح من الاستثمار.

التمويل بالتورق:
إذا اشترى سلعة بالأجل، ليبيعها نقدًا للبائع نفسه، يعد هذا من بيع العينة المحرم، أما إذا باعها لغير البائع فهذا ما يسمى بالتورق. وأول من وجدته يفرق بين العينة والتورق شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبله لم يكن التورق معروفًا، بل كانت العينة تطلق على هذا البيع سواء أباع للبائع نفسه أم لغيره... وشيخ الإسلام وإن فرق في التسمية غير أنه كان يرى عدم جواز التورق. وفي أبحاثي التي قدمتها للمجمعين الموقرين أثبت أن السلف الصالح كان لا يفرق في الحكم بين العينة والتورق، وأجاز التورق المتأخرون من الحنفية والحنابلة.

فلنبين حقيقة هذا التورق، وهل يجوز اللجوء إليه في إدارة السيولة، ثم نذكر قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.

أولًا: البيان:
إذا اشترى المسلم سلعة بنية التورق، دون الإعلان عن هذه النية، فإن البائع ما دام لا يعلم لا يشاركه في الإثم.
أما إذا طلب قرضًا فعرض عليه بيع سلعة بالأجل، ليبيعها هو بسعر أقل نقدًا، فكلام الأئمة الأعلام يبين عدم الجواز، أي أن المتواطئين على التورق يشتركان في الإثم، فإن تواطآ على العينة كان الإثم أشد، أما إذا لم تكن هناك سلعة في الواقع العملي، وإنما مجرد ذكر لها في الأوراق فهذا استحلال للربا المحرم، سواء أكان عن طريق العينة أم التورق.
ومن الواضح أن التمويل بالتورق فيه اتفاق ومواطأة، وعقود بين البنك والمتعاملين بالتورق، بل وجدنا البنوك تعلن عن هذه الأداة التمويلية، وترغب الناس في التعامل بها حتى أصبح معظم تمويل هذه البنوك عن طريق التورق!!.

فما حقيقة هذا التمويل حتى يمكن بيان حكمه؟
لو كان فيه سلعة يشتريها المتورق، ويملكها ويحوزها، ويتم قبضها الحقيقي أو الحكمي، ثم يقوم هو ببيعها، قلنا: هذا من التورق الذي تحدث عنه سادتنا الأئمة الأعلام، وبينوا أنه حيلة ربوية غير جائزة، غير أنه أخف من العينة، ومن الربا الصريح، وأجازه بعض المتأخرين الفقهاء من الحنفية والحنابلة وإن لم يجزه أئمة المذهبين. وقد بين ابن القيم غلط هؤلاء المتأخرين على أئمتهم.
أما إذا كان البنك هو الذي يقوم بالدور كاملًا دون وجود سلعة يتسلمها المتورق عن طريق القبض الفعلي أو الحكمي فإن هذا يعني أن الفرع المسمى بالإسلامي لا يختلف عن الأصل الربوي إلا في زيادة التكاليف والأعباء على كواهل المتورقين، وقال ابن تيمية وابن القيم إن مثل هذا أسوأ من الربا نفسه، لأنه استحلال للربا المحرم.
ولخبرتي الطويلة في مراقبة تعامل المصارف الإسلامية في السلع والمعادن، ومراجعتي لعملياتها، وزياراتي لبعض الأسواق العالمية ومخازن السلع والمعادن في أوربا، أجد الصورة واضحة أمامي كل الوضوح.
فما يتداول في البرص العالمية هو ما يعرف بإيصالات المخازن، ورأيت بنفسي كيف تتم هذه الإيصالات.
البضائع التي يراد بيعها عن طريق البرصة ترسل أولًا إلى أحد المخازن(1)، وبعد التفريغ واتخاذ الإجراءات اللازمة تبدأ عملية الوزن لوحدات متساوية تقريبًا، وكل وحدة تزن خمسة وعشرين طنًا، أي خمسة وعشرين ألف كيلو جرام.
وبعد الوزن تكتب البيانات الكاملة المتصلة بهذه الوحدة، فيكتب الجنس، والصفات، والوزن الحقيقي، فقد يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا عن الخمسة والعشرين طنًا، ومكان التخزين الذي توضع فيه ..... إلخ.
هذه الورقة المكتوبة هي إيصال المخازن، وهي التي تتداول في البرصة، وتنتقل من يد إلى يد إلى أن تنتهي ليد مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه. والبيانات المكتوبة في الإيصال نرى مثلها في مكان التخزين، ومسجلة على الحاسب الآلي.

والمصارف الإسلامية منذ نشأتها لا أعلم أي مصرف منها تسلم سلعة من السلع، أو تسلم الإيصالات الأصلية واحتفظ بها ليبيع في الوقت المناسب، سواء هو أو وكيله. وحينما حاولت مع بعضهم أن يقوم بهذا كان الرد: إننا لا نستطيع أن نتحمل مخاطر تغير الأسعار، ولا قدرة لنا لمجاراة البنوك والشركات العملاقة.
ولذلك فإن المصارف الإسلامية يعرض عليها ثمن شرائها الحال، وبيعها الآجل في وقت واحد، وتبلغ الوكيل بالموافقة على الاثنين معًا، وتسلم وتسليم إيصالات المخازن باعتباره وكيلًا عنها. هذا توضيح رأيت الحاجة إلى ذكره حتى يمكن الحكم على تمويل التورق.
البنك لا يشتري ويتسلم إيصالات المخازن التي تثبت الملكية، ثم يبيع ويسلم هذه الإيصالات للمشترين المتورقين، وإنما تم الاتفاق بينه وبين من يقوم بدور البائع، ومن يقوم بدور المشتري من الشركات العالمية.
يعقد البنك اتفاقيتين، إحداهما مع شركة باعتبارها بائعًا، والأخرى مع شركة باعتبارها مشتريًا، وكل اتفاقية تمثل الإطار العام الذي ينظم العلاقة بينهما.
وما يثبت الملكية هو ورقة من الشركة التي تقوم بدور البائع، وليس إيصالات مخازن، وتسجيل الكمية على الحاسب الآلي، ليتم البيع منها للعملاء المتـورقين الـذيـن وكلـوا البنك ليقـوم هـو ببيـع مـا اشتروه، ومن هنا يبدأ العمـل بالاتفاقية مع الشركة التي تقوم بدور المشتري. وما يسجل بأن هذه الشركة اشترته من البنك تقوم الشركة الأولى بنقله من حساب البنك إلى حساب الشركة الثانية.
وما عرفناه من خلال زياراتنا المتكررة، وما اعترف به بعض البنوك والشركات العالمية، هو أن عدم وجود إيصالات مخازن أصلية يعني عدم وجود سلع، فالأمر هنا لا يعدو أن يكون قيودًا لا يقابلها شيء في الواقع العملي.

ونأتي إلى المتورق: فهل اشترى سلعة غير مقصودة، ولكنه تسلمها أو يمكنه أن يتسلمها ليبيعها، فيكون هذا التورق الذي لم يجزه الجمهور، وأجازه من أجازه، أو أنه اقترض بفائدة ربوية حيث لا توجد سلعة أصلًا إلا على الحاسب الآلي؟.
البنك يقول: يمكنه أن يتسلم السلعة.
وأقول: هذا ليس متعذرًا بل هو من المستحيلات، وإليك البيان.
لا يتم تسلم السلع إلا بإيصالات المخازن الأصلية، وكل إيصال يقابله خمسة وعشرون طنًا، والإيصال لا يتجزأ.
ولا يستطيع أي أحد أن يأخذ الإيصالات ليتسلم السلع من المخازن إلا إذا كان من المسموح لهم بالتعامل مع البُرصة.
فهل من يبيع له البنك من المتورقين يشتري خمسة وعشرين طنًا ومضاعفاتها؟ وهل هذا المتورق من أصحاب الملايين أو المليارات المسموح لهم بالتعامل مع البُرصة؟ وهل سيسافر إلى أوروبا ليتسلم ما اشتراه قبل أن يبيعه؟.

ألم أقل إن التسلم المذكور من المستحيلات؟.
والواقع العملي أن العميل طالب القرض إذا أراد التورق يذهب إلى البنك، وبعد دراسة حالته والضمانات التي يقبلها البنك، وتقدير المبلغ الذي يتفق مع هذه الدراسة، يقوم العميل بتوقيع عقدين.

الأول: عقد شراء بثمن مؤجل بالمبلغ الذي حدد.

الثاني: وكالة للبنك لبيع ما اشتراه بثمن حال.

ويكتب الشيكات أو الكمبيالات المطلوبة، ثم يوضع المبلغ بعد ذلك في حسابه، يقابله دين مثقل بالفوائد التي يأخذها الأطراف الثلاثة المشتركون في الاتفاقات والعقود!!
فقول ابن عباس رضي الله عنهما في بيان التحريم: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة لا ينطبق على التمويل بالتورق، فحتى هذه الحريرة غير موجودة، وإنما دراهم بدراهم ليس بينهما شيء إلا ورقة مكتوبة!!

ثانيًا: القرار:
التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19- 23/10/1424 هـ الذي يوافقه: 13 - 17/12/2003م، قد نظر في موضوع: «التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر». وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.

وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولًا: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1- أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعًا، سواء أكان الالتزام مشروطًا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2- أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3- أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، والذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضًا حقيقيًا وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.

ثانيًا: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالًا لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلًا محضًا بزيادة ترجع إلى الممول.

السلم وتطبيقاته المعاصرة:
بحث هذا الموضوع مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وبين الضوابط الشرعية في التمويل عن طريق السلم، وأهمية هذا التمويل، والواقع أن التمويل بالسلم له أهمية كبيرة كما سيتضح من قرار المجمع، وله دور كبير في إدارة السيولة.

والقرار واضح لا يحتاج إلى تعقيب، وهذا نصه:
قرر: أولًا: بشأن (السلم) ما يلي:
( أ ) السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت دينًا في الذمة، سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات.
(ب) يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم، إما بتاريخ معين، أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع، ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافًا يسيرًا لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد.
( ج ) الأصل تعجيل قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط، على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن الأجل المحدد للسلم.
( د ) لا مانع شرعا من أخذ المسلم (المشتري) رهنًا أو كفيلًا من المسلم إليه (البائع).
(هـ) يجوز للمسلم (المشتري) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر -غير النقد- بعد حلول الأجل، سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه. حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البدل صالحًا لأن يجعل مسلمًا فيه برأس مال السلم.
( و ) إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإن المسلم (المشتري) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة.
( ز ) لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.
( ح ) لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين.

قرر: ثانيًا: بشأن (التطبيقات المعاصرة للسلم):
يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها، واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلًا قصير الأجل أم متوسطًا أم طويلًا، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين، أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل، والنفقات الرأسمالية الأخرى. متوسطة أم طويلة.

ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم، ومنها ما يلي:
( أ ) يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فيقدم لهم بهذا التمويل نفعًا بالغًا ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.
(ب) يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي، ولاسيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سلمًا وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.
( ج ) يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين، وصغار المنتجين الزراعيين، والصناعيين، عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات، أو مواد أولية كرأس مال سلم، مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.

يوصي المجلس استكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم
بعد إعداد البحوث المتخصصة.

بيع الدين:
البنوك التجارية وظيفتها الاتجار في الديون والتعامل في الائتمان، ثم أضيفت وظيفة أخرى وهي خلق النقود، وهي تتعامل بالربا، ولذلك لا يوجد مشكلة لديها في بيع الدين. أما المصارف الإسلامية فإن الأصل أنها لا تتعامل بالربا، ولذلك فإن الديون تعتبر من المشكلات التي تصادفها. ولذلك بحث المجمعان هذا الموضوع، وصدر قراران عن مجمع المنظمة، وقرار عن مجمع الرابطة.

أولًا: قرار مجمع الرابطة: فسخ الدين في الدين.
يعد من فسخ الدين في الدين الممنوع شرعًا كل ما يفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه ويدخل في ذلك الصور الآتية:
1- فسخ الدين في الدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها، ومن أمثلتها: شراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أو بعضه.
فلا يجوز ذلك ما دامت المديونية الجديدة من أجل وفاء المديونية الأولى بشرط أو عرف أو مواطأة أو إجراء منظم، وسواء في ذلك أكان المدين موسراً أم معسراً وسواء أكان الدين الأول حالًا أم مؤجلًا يراد تعجيل سداده من المديونية الجديدة، وسواء اتفق الدائن والمدين على ذلك في عقد المديونية الأول أم كان اتفاقًا بعد ذلك، وسواء أكان ذلك بطلب من الدائن أم بطلب من المدين.
ويدخل في المنع ما لو كان إجراء تلك المعاملة بين المدين وطرف آخر غير الدائن إذا كان بترتيب من الدائن نفسه أو ضمان منه للمدين من أجل وفاء مديونيته.

2- بيع المدين للدائن سلعة موصوفة في الذمة من غير جنس الدين إلى أجل مقابل الدين الذي عليه، فإن كانت السلعة من جنس الدين فالمنع من باب أولى.

3- بيع الدائن دينه الحال أو المؤجل بمنافع عين موصوفة في الذمة. أما إن كانت بمنافع عين معينة فيجوز.

4- بيع الدائن دين السلم عند حلول الأجل أو قبله للمدين بدين مؤجل سواء أكان نقدًا أم عرضًا، فإن قبض البدل في مجلس العقد جاز. ويدخل في المنع جعل دين السلم رأس مال سلم جديد.

5- أن يبيع الدائن في عقد السلم سلعة للمدين -المسلم إليه- مثل سلعته المسلم فيها مرابحة إلى أجل بثمن أكثر من ثمن السلعة المسلم فيها، مع شرط أن يعطيه السلعة التي باعها له سدادًا لدين السلم.

ثانياً: قرارا مجمع المنظمة:
القرار الأول:
أولًا: أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو غير جنسه لأنه من بيع الكالئ المنهي عنه شرعًا. ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئًا عن قرض أو بيع آجل.
ثانياً: التأكيد على قرار المجمع رقم 60 (11/6) بشأن السندات في دورة مؤتمره السادس بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 17 - 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 - 20 مارس 1990م. وعلى الفقرة (ثالثاً) من قرار المجمع رقم 64/2/7 بشأن حسم (خصم) الأوراق التجارية، في دورة مؤتمره السابع بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 7 - 12 ذي القعدة 1412 هـ الموافق 9 - 14 مايو 1992م(1).

القرار الثاني:
أولاً: يعد من فسخ الدين بالدين الممنوع شرعًا كل ما يفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه، ومن ذلك فسخ الدين بالدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها، سواء أكان المدين موسراً أم معسراً، وذلك كشراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل الدين الأول كله أو بعضه.

ثانياً: من صور بيع الدين الجائزة:
1- بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور التالية:
( أ ) بيع الدين الذي في الذمة بعملة أخرى حالة، تختلف عن عملة الدين، بسعر يومها.
(ب) بيع الدين بسلعة معينة.
( ج ) بيع الدين بمنفعة عين معينة.

2- بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة من البيع.

بيع الوفاء:
من المعلوم أن الرهن من راهنه، له غنمه وعليه غرمه، وإذا كان الرهن لضمان قرض فلا يجوز للمرتهن الدائن أن ينتفع بالدين ولو رضي المدين، فكل قرض جر نفعًا فهو ربا.
وبيع الوفاء الذي أجازه الحنفية خلافًا للجمهور ما هو في حقيقته إلا قرض مع تسليم عين للمقرض ينتفع بها مدة القرض، ويرد المبيع متى استرد المقرض قرضه.
ووجدت ممن كتب عن إدارة السيولة في المصارف الإسلامية من اقترح الأخذ ببيع الوفاء، وأظن أنه اقتراح غير مقبول.

والموضوع بحثه مجمع المنظمة، وأصدر القرار التالي:
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بيع الوفاء، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول بيع الوفاء، وحقيقته: «بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع». قرر:
1- أن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعاً)، فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء.
2- يرى المجمع أن هذا العقد غير جائز شرعًا. والله أعلم.

صكوك المقارضة:
بعد أن انتهت المجامع الفقهية من تحريم السندات ذات الفائدة باعتبارها مبنية على القرض، بدأت البحث عن البديل الإسلامي لهذه السندات وبعد مؤتمر ثم ندوة خاصة انتهى مجمع الفقه الإسلامي إلى وضع صيغة تقوم على القراض. المضاربة، وليس القرض، وأصدر قراره الخاص بهذه الصكوك. وأذكر هنا نص القرار، ثم أبين أثره في إدارة السيولة.

القرار:
أولاً: من حيث الصيغ المقبولة شرعًا لصكوك المقارضة:
1- سـندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض - المضاربة- بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصًا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية «صكوك المقارضة».

2- الصورة المقبولة شرعًا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.
وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعًا للمالك في ملكه من بيع، وهبة، ورهن، وإرث، وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار، وأن الإيجاب يعبر عنه «الاكتتاب» في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة. ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعًا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال، وتوزيع الربح، مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار، على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب، باعتبار ذلك مأذونًا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
( أ ) إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب، وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا، فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد، وتطبق عليه أحكام الصرف.
(ب) إذا أصبح مال القراض ديونًا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
( ج ) إذا كان مال القراض موجودات مختلطة من النقود، والديون، والأعيان، والمنافع، فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقًا للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانًا ومنافع.
أما إذا كان الغالب نقودًا أو ديونًا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصوليًا في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع: أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب -أي عامل المضاربة- ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك، فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك، وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة، فلا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.

3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية، إن وجدت بالضوابط الشرعية، وذلك وفقًا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة المتعاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة، وفقًا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.

4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال، أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنًا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.

5- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقًا أو مضافًا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدًا بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضى الطرفين.

6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصًا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، فإن وقع كان العقد باطلًا. ويترتب على ذلك:
( أ ) عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك، أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار، وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
(ب) أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض، أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقًا لشروط العقد.
( ج ) أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنًا، وتحت تصرف حملة الصكوك.

7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم، ولا يلزم إلا بالقسمة، وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادًا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.

8- ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح -في حالة وجود تنضيض دوري- وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.

9- ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزامًا مستقلًا عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطًا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.

هذا هو القرار - قرار صكوك المقارضة- الذي صدر بعد البحث خلال مؤتمرين للمجمع وندوة خاصة، وكان هذا من أنجح الموضوعات التي بحثها المجمع.

وهذه الصكوك تعتبر من السيولة النقدية، حيث يمكن شراؤها أو بيعها بسهولة، وعلى الأخص أن الجهة المصدرة للصكوك يمكن أن تلتزم بشرائها، كما يمكن أن تلتزم بالشراء جهة غير الجهة المصدرة كما جاء في القرار.

صكوك الإجارة:
من الأوراق المالية المستحدثة صكوك الإجارة، وقد بحثها مجمع المنظمة بحثاً مستفيضًا، ووضع الضوابط والشروط، وأصدر قراره الآتي:
1- تقوم فكرة صكوك الإجارة على مبدأ التصكيك (أو التسنيد أو التوريق) الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على مشروع استثماري يدر دخلًا. والغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية (صكوك) يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية. وعلى ذلك عرفت بأنها «سندات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصًا شائعة في ملكية أعيان أو منافع ذات دخل».
2- لا يمثل صك الإجارة مبلغاً محدداً من النقود، ولا هو دين على جهة معنيـة – سـواء أكانت شخصية طبيعية أم اعتبارية- وإنما هو ورقة مالية تمثل جزءاً شائعًا (سهماً) من ملكية عين استعمالية، كعقار أو طائرة أو باخرة، أو مجموعة من الأعيان الاستعمالية - المتماثلة أو المتباينة- إذا كانت مؤجرة، تدر عائدًا محددًا بعقد الإجارة.
3- يمكن لصكوك الإجارة أن تكون اسمية، بمعنى أنها تحمل اسم حامل الصك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة اسم حاملها الجديد عليها، كلما تغيرت ملكيتها، كما يمكن أن تكون سندات لحاملها، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم.
4- يجوز إصدار صكوك تمثل ملكية الأعيان المؤجرة وتداولها - إذا توافرت فيها شروط الأعيان التي يصح أن تكون محلاً لعقد الإجارة- كعقار وطائرة وباخرة ونحو ذلك، ما دام الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية مؤجرة، من شأنها أن تدر عائداً معلوماً.
5- يجوز لمالك الصك - أو الصكوك- بيعها في السوق الثانوية لأي مشتر، بالثمن الذي يتفقان عليه، سواء كان مساويًا أم أقل أم أكثر من الثمن الذي اشترى به، وذلك نظرًا لخضوع أثمان الأعيان لعوامل السوق (العرض والطلب).
6- يستحق مالك الصك حصته من العائد - وهو الأجرة- في الآجال المحددة في شروط الإصدار منقوصًا منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤنة، على وفق أحكام عقد الإجارة.
7- يجوز للمستأجر الذي له حق الإجارة من الباطن أن يصدر صكوك إجارة تمثل حصصًا شائعة في المنافع التي ملكها بالاستئجار بقصد إجارتها من الباطن، ويشترط لجواز ذلك أن يتم إصدار الصكوك قبل إبرام العقود مع المستأجرين، سواء تم الإيجار بمثل أجرة الإجارة الأولى أو أقل منها أو أكثر. أما إذا أبرمت العقود مع المستأجرين، فلا يجوز إصدار الصكوك، لأنها تمثل ديونًا للمصدر على المستأجرين.
8- لا يجوز أن يضمن مصدر الصكوك أو مديرها أصل قيمة الصك أو عائده، وإذا هلكت الأعيان المؤجرة كليًا أو جزئيًا فإن غرمها على حملة الصكوك.

الأسهم:
السهم صك قابل للتداول يمثل ملكية حصة شائعة في شركة من الشركات، فإذا كان نشاط الشركة حلالًا ولا تتعامل بالربا فأسهمها حلال، أما إذا كان نشاطها حرامًا، أو تتعامل بالربا فأسهمها حرام، وقد بين مجمع الرابطة أدلة التحريم.
وهذه الأسهم تعد من السيولة النقدية أو شبه النقدية، حيث يسهل شراؤها وبيعها.
وأريد أن أقف وقفة عند هذه الأسهم، وذلك لأن كثيرًا من هيئات الرقابة الشرعية أجازت التعامل في أسهم الشركات التي نشاطها حلال، غير أنها تتعامل بالربا، وكانت الزلة الأكبر عندما أجازت هيئة المعايير المحاسبية هذا النوع من الأسهم، واستدلت بأدلة واهية، ولذلك أريد أن أقارن بين أدلة التحريم التي استدل بها المجمع، وأدلة التحليل التي ذكرتها الهيئة.

أولًا: النظر في القرار المجمعي:
في الدورة الرابعة عشرة للمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي قرر المجمع ما يأتي:
لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا، وكان المشتري عالمًا بذلك.
ثم أضاف: والتحريم في ذلك واضح، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا، ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءًا شائعًا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة، أو تقترضه بفائدة، فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه، والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز. (اهـ).
هذا هو القرار بأدلته قطعية الثبوت واضحة الدلالة، وهذا المجمع يبلغ عدد أعضائه ثلاثين من صفوة علماء الأمة، إلى جانب الخبراء الذين قد يصل عددهم إلى مثل الأعضاء.

ولا يوجد أي تعارض بين جميع قرارات هذا المجمع ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يزيد عدد أعضائه على السبعين، ويشارك فيه من الخبراء عشرات العلماء.

ثانيًا: النظر في قرار الهيئة:
في المعيار الشرعي رقم (21) عن الأوراق المالية جاء ما يأتي عن المساهمة أو التعامل في أسهم شركات أصل نشاطها حلال، ولكنها تودع أو تقترض بفائدة.
الأصل حرمة المساهمة والتعامل (الاستثمار أو المتاجرة) في أسهم شركات تتعامل أحيانًا بالربا أو نحوه من المحرمات مع كون أصل نشاطها مباحًا، ويستثنى من هذا الحكم المساهمة أو التعامل بالشروط الآتية:
- ألا يبلغ إجمالي المبلغ المقترض بالربا 30% من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة، علمًا بأن الاقتراض بالربا حرام مهما كان مبلغه.
- ألا يبلغ إجمالي المبلغ المودع 30% من القيمة السوقية لمجموع أسهم الشركة، علمًا بأن الإيداع بالربا حرام مهما كان مبلغه.
هذا بعض ما جاء في هذا المعيار، وهو يتفق مع قرار المجمع في التحريم، غير أنه استثنى ما يحل هذا الحرام، فبم استدل على تحليل هذا الحرام البين؟

قال المحللون:
مستند استثناء التعامل بأسهم شركات أصل نشاطها حلال ولكن تودع أو تقترض بالفائدة هو تطبيق قاعدة رفع الحرج، والحاجة العامة، وعموم البلوى، ومراعاة قواعد الكثرة والقلة والغلبة، وجواز التعامل مع من كان غالب أمواله حلالاً، والاعتماد على مسألة تفريق الصفقة عند بعض الفقهاء، وعلى ذلك فتاوى معظم هيئات الفتاوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية.
هذا هو مستند تحليل هذا الحرام البين؟ وهو مستند واه لا يقوم على دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس محكم؟ وكيف يقرون بأن الاقتراض أو الإيداع بالربا حرام مهما كان مبلغه ثم يحلون هذا الحرام إذا كان لا يبلغ ثلاثين في المائة؟ وهل مجالات الاستثمار الحلال ضاقت حتى تعين على المسلم الاستثمار في هذه الأسهم؟ وأين الحرج، والحاجة العامة، وعموم البلوى إذا ابتعد المسلم عن هذه الأسهم؟ وهل مراعاة قواعد الكثرة والقلة والغلبة تكون في الغرر وما هو في معناه أم تكون في المحرم لذاته كالربا والزنى؟ أم فيما هو من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات؟
والذي عاشر زوجته سنوات عديدة ثم زنى مرة واحدة لماذا يرجم حتى الموت ولم تراع الكثرة والقلة والغلبة؟
وهل التعامل في الحلال دون الحرام مع من كان غالب أمواله حلالًا حكمه حكم من يقع هو نفسه في الحرام وغالب كسبه حلال؟ وشراء شيء من الطيبات الحلال من شخص غالب أمواله حرام فضلًا عن أن يكون غالبه حلالًا كمن يكتسب هو نفسه من الحرام والحلال والغالب هو الحلال؟
وكيف تفيد مسألة تفريق الصفقة هنا ونحن نتحدث عن كبيرة من أكبر الكبائر؟ وما يقوله بعض الفقهاء أيصبح دليلًا نستحل به الوقوع في الحرام؟.
ما هذا الاستدلال أيها السادة الذي يبطل الأدلة الثابتة الواضحة الجلية من الكتاب والسنة والإجماع؟
وقولهم: وعلى ذلك فتاوى معظم هيئات الفتاوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية. هذا القول يؤكد ما قلته من قبل من أن هذه الهيئات لا تصلح أن تكون بديلًا للمجامع الفقهية الدولية.
بقي أن ننظر من الذي أصدر هذه الفتوى واضحة البطلان لتكون معيارًا تطبقه المصارف الإسلامية.
أصدر هذه الفتوى أربعة عشر من أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية، والقرار صدر بالأغلبية، ولا أدري من الذي وافق ومن الذي عارض، ومن هذا العدد القليل نجد من هم من أهل الاختصاص غير أنهم قلة قليلة يمكن أن يصدر القرار دون موافقتهم. ومنهم من ليس من أهل الاختصاص، ومنهم من أحل أسوأ أنواع ربا الجاهلية كما أشرت من قبل، ومنهم من اشتهر بأنه لا يكاد يحرم حرامًا، ومنهم ...... إلخ.
وهذا يؤكد ما قلته من قبل من أن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا بديلًا للمجامع الفقهية الدولية.
بقي أن أقول: إن هذه الهيئة في المعيار رقم (20) أجازت التورق المصرفي في السلع والمعادن، وهذا يتعارض مع ما أصدره المجمعان الدوليان. أفلا تصحح الهيئة مسارها وتعيد النظر في هذين المعيارين، ولا تجعل المجلس الشرعي ندًا للمجامع الفقهية الدولية فهو ليس أهلًا لذلك، وتصدر المعايير بما لا يتعارض مع القرارات المجمعية الدولية؟

الحالة الثانية: الحاجة إلى السيولة:

من المعلوم أن المصارف الإسلامية تعاني من فائض السيولة، حيث إن هذا الفائض يؤثر على الأرباح، أما نقص السيولة فهو من القليل النادر، غير أنه احتمال قائم، فماذا يفعل المصرف في هذه الحالة؟

الصكوك والأسهم والأوراق التجارية تعتبر من السيولة النقدية أو شبه النقدية، فمن الميسر بيعها أو شراؤها، وتوفير النقود المطلوبة.
ومن الممكن كذلك إنهاء المرابحات الدولية، فإنها في الواقع ترتيب أوراق، والقليل منها هو البيع الحقيقي:

وظهر مؤخرًا ما يعرف بالبديل للودائع لأجل، وهو عكس التورق، حيث إن البنك هو الذي يأخذ النقود الحاضرة، ويردها بالأجل مع الزيادة، مع إدخال سلعة من برصة السلع والمعادن للتحليل، وهذه حيلة ربوية واضحة، وبين المجمع عدم جوازها.

ومن السيولة النقدية الودائع لدى البنوك الأخرى، ولدى البنك المركزي.


تحميل إدارة السيولة في المصارف الإسلامية ملف ورد 
تحميل إدارة السيولة في المصارف الإسلامية ملف ورد


تعليقات